إن قيام الدول ونشأة القوميات مؤشر خطير للجماعات اليهودية في أوروبا؛ حيث شُيِّدت الدول الحديثة على أساس عرقي، ولم يستوعب اليهود الذين عاشوا منعزلين في "الجيتو اليهودي" ذلك. كما ساد الغرب الأوروبي حالة من الكرْه الشديد لليهود؛ مما جعل مفكرًا كبيرًا مثل «ماكس فيبر» يعتبرهم أصل الشرور في العالم، أما «هيجل» فقد أكد أن الروح القومية اليهودية لم تدرك المُثل العليا للحرية والعقل، وأن شعائرها بدائية ولا عقلانية. وقد سار «غوستاف لوبون» على نهج مفكري أوروبا في موقفهم من اليهود أثناء تلك الحقبة، وصاغ كتابه «اليهود في تاريخ الحضارات الأولى» من هذا المنطلق؛ فكال لهم الاتهامات، ووصفهم بأبشع الصفات، نافيًا أي دور لهم في نشأة الحضارات القديمة. وهكذا يمثل هذا الكتاب نمطًا فكريًّا ساد أوروبا منذ العصور الوسطى وحتى منتصف القرن العشرين.
لم يكن لليهود أي شيء تقوم به الحضارة من فنون وعلوم وصناعة، فلم يتجاوزوا مرحلة الأمم المتوحشة التي ليس لها تاريخ. وحين صار لهم مدن بين جيران بلغوا درجة رفيعة من التطور، كانوا عاجزين عن أن يقيموا بأنفسهم مدنهم ومعابدهم وقصورهم.
إن الديانات ليست من صنع رجل واحد، بل وليدة ألوف الرجال من ذوي النفوس العالية، بل نسيج أفكار أحد الشعوب واحتياجاته. وإن الدين إذا كان، كالنظم والفنون، عنوان مشاعر إحدى الأمم، فإنه لا ينتقل من شعب إلى آخر من غير أن يتغير. وسيختلف تاريخ اليهود والأديان التي صدرت عنهم عن التاريخ الذي لا يزال مدونًا في الكتب.
يرى المفكر (كمسيو ريان) أن ثمة ثلاثة تواريخ ذات نفع في ماضي البشرية: تاريخ اليونان، وتاريخ بني إسرائيل، وتاريخ الرومان. ربما يصح كلامه في بعض الأحيان، ولكن لا لطويل زمن. وهو في ذلك يهمل أثر المصريين والكلدانيين العظيم مقابل أثر تافه لليهود.
وعندما خرج هؤلاء البدويون الذين لا أثر للثقافة فيهم من باديتهم ليستقروا بفلسطين، وجدوا أنفسهم أمام أمم قوية متمدنة منذ زمن طويل، فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى عيوبها وخرافاتها وأخس ما فيها. ثم أثبتوا عجزهم التام بعد أن جمعوا ثروات نتيجة غرائزهم التجارية، فلم يجدوا بينهم بنائين ومتفننين، فاضطروا إلى الاستعانة بالفينيقيين.
وكان تاريخهم الكئيب قصة لضروب المنكرات. وأما محافظتهم على وحدتهم، التي صانتهم من الزوال، فكانت نتيجة لكرههم العميق للأمم التي اتصلوا بها.
وقد كان بنو إسرائيل من الساميين، العرق الذي ينتسب إله الآشوريين والعرب. والساميون الذين بقوا في بلاد العرب هم أجداد الشعب العربي، والساميون الذين مروا من موطن الحضارة في الفرات الأدنى وانتشروا في أنحاء آسيا، هم الآشوريون والإسرائيليون.
وحين كان ساميو الجنوب، أي العرب، يحافظون على عبقرية عرقهم النقي من كل تأثير أجنبي، كان ساميو الشمال يثقلون عبادتهم بالشعائر والجزئيات، ويشيدون المدن ويضعون مختلف النظم. وظل العرب في عبادتهم أبسط من الآشوريين والفينيقيين واليهود. والله هو خلاف يهوه الضاري الذي لم يكن بغيرته وغضبه غير أخس الآلهة.
ابتعد ساميو العرب عن عرقهم الأصلي لاتصالهم بأمم أرقى منهم، وأما بنو إسرائيل فقد أقاموا بوادي الأردن قليل الأهمية. ولم يهتم بنو إسرائيل بالبحر، فجاء شعب غير سامي يعرف بالفلسطينيين فملك الساحل واستوطنه، ولم يملك اليهود منه سوى القسم الممتد من يافا إلى رأي الكرمل. ولم يكن ذلك الوضع غير ذي تهلكة، فأمة إسرائيل الصغيرة ما كانت تشترك في صراع إلا وكانت تُسحق في النهاية.
ولكن القوافل المثقلة بالنسائج والحلي والعاج التي كانت تجوب فلسطين، فلا يدع الإسرائيلي تلك الكنوز تجاوز أرضه دون أن يحتفظ منها بشيء لنفسه، وكان ذلك مصدر الرخاء الرئيسي في اليهودية. وبقي بنو إسرائيل بدويين أفاقين مفاجئين مغيرين سفّاكين مولعين بقطاعهم، مندفعين في الخصام الوحشي، متمردين على الفنون تمردًا مطلقًا.
كان بنو إسرائيل مجرد أخلاطٍ من عصابات جامحة، تقوم على الغزو ونهب القرى الصغيرة، حتى زمن شاوُل. وتكونت زمرة بني إسرائيل من أسرة واحدة ذات جد واحد، وهو يعقوب/إسرائيل. ودفع القحط يعقوب وبنيه إلى دخول مصر، فأقاموا بالدلتا وكثر عددهم واستعبدهم المصريون، فسئم أبناؤهم من بؤسهم وفروا من بلاد العبودية بعد عهد سيزوستريس.
توجه بنو إسرائيل إلى الشمال ودخلوا أراضي الشعوب الكنعانية الصغيرة، وتحولوا من بدو إلى حضر عندما رسخت أقدامهم في أرض الميعاد التي طمعوا فيها لمدة طويلة.
قام اليهود بغزو البلاد الزراعية، ومنها فلسطين. ولم يفكر بنو إسرائيل في تأليف أمة وتنصيب ملك إلا في أوائل القرن الحادي عشر قبل الميلاد.
جاء شاول ملكهم الأول لينقذهم من هول الفلسطينيين، بأن أنزل عليهم ضربات هائلة. ثم جاء داود واختار أورشليم (القدس) لتكون عاصمة لهم، ولولاها لكان شأن اليهود ضئيلًا إلى الغاية. وفي عهد سليمان بلغ مصير اليهود ذروته، فافتتح أراضٍ كثير دون حرب، ووسع رقعة الأراضي الصالحة للزراعة، وشيد مدينة تدمر الرائعة، فلما مات سليمان اشتعلت الفتن الأهلية، فهجرت تدمر حتى استولى عليها الرومان وجددوا بناءها.
وفي 721 ق.م، هدم ملك نينوى مملكة السامرة. وفي 586 ق.م، استولى ملك بابل على أورشليم فجعل عاليها سافلها، وجعل من اليهود أسرى. حتى أصدر كورش مرسومًا أذن فيه للعبريين بالعودة إلى فلسطين، وإعادة بناء مدينتهم، فلم يجددوا بناء أورشليم إلا مرتجفين مهددين من قِبَل ملوك فارس.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان